نبذة:
هو يوسف ابن سيدنا يعقوب من زوجته راحيل "فدان آرام" بالعراق حينما كان أبوه عند خاله (لابان)، ولما عاد أبوه إلى الشام - مهجر الأسرة الإِبراهيمية - كان معه حدثاً صغيراً. قالوا: وكان عمر سيدنا يعقوب لما ولد له سيدنا يوسف (91) سنة، وإن مولد يوسف كان لمضي (251) سنة من مولد سيدنا إبراهيم .
توفيت أمه وهو صغير، فكفلته عمته وتعلقت نفسها به، فلما اشتد قليلاً أراد أبوه أن يأخذه منها، فضنَّت به وألبسته منطقة لإِبراهيم كانت عندها وجعلتها تحت ثيابه، ثم أظهرت أنها سُرقت منها، وبحثت عنها حتى أخرجتها من تحت ثياب يوسف، وطلبت بقاءه عندها يخدمها مدةً جزاءً له بما صنع، وبهذه الحيلة استبْقَتْه عندها، وكف أبوه عن مطالبتها به.
وكان سيدنا يوسف أثيراً عند أبيه من بين إخوته، وقد رأى سيدنا يوسف -وهو غلام صغير- رؤيا قصها على أبيه، فقال له أبوه: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5]، وذلك خشية عليه من حسدهم. وخلاصة الرؤيا: أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعرف سيدنا يعقوب أنها تتضمن مجداً ليوسف يجعل إخوته وأبويه يخضعون لسلطانه.
سيرته:
قال سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".
وقد ذكره الله في عداد مجموعة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} {غافر: 34 }
كان سيدنا يوسف أثيراً عند أبيه من بين إخوته ، وهذا الأمر احدث الحسد والغيرة في قلوبهم لوع أبيهم به وإيثاره عليهم، فدبروا له مكيدة فطلبوا من أبوهم أن يرسل سيدنا يوسف معهم للحارث وحتى يتسنى له أن يلعب من حولهم ، فأحس سيدنا يعقوب بان مكروه سيحدث لابنه يوسف ولكن وكال أمره لله وحده الذي لا يغفل ولا ينام سبحانه هو الحافظ وحده من كل شر ، وفعلا ما كان في قلوب أخوته تماما ما أحس به الأب فلقد القوا به في الجب عوادو إلي ولدهم ومهم يمثلوا الحزن الشديد علي أخوهم بعد أن لطخوا ثيابه بدم وقالوا أن الذئب أكله وهم غافلين عنه سبحانه كان من الممكن ان يهلك سيدنا يوسف وهو في الجب (البئر) ولكن رحمة الله فوق أردة البشر مرت قافلة فأرسلت افرد منها إلي البئر فأدلى دلوه، فتعلق يوسف به، فأخذوه عبداً رقيقاً وانتهى أمره إلى مصر فاشتراه رئيس الشرطة فيها، واحتل عنده مكاناً حسناً اكتسبه بحسن خلقه وصدقه، وأمانته وعبقريته.
فكبر وترعرع فيها فكان شديد الجمال سبحان الخلق فعشقته زوجة سيده وشغفت به، فراودته عن نفسه فاستعصم، فدبرت له مكيدة سجنه إذا لم يُلَبّ رغبتها منه فدعت انه حول أن يعتدي عليها ولكن الله أرد أن يظاهر الحق من البطل قال رجل حكيم ننظر في ثيابه أذا مزقت من الأمام فهو أثم وإذا كانت من الخلف فهو بريء وكانت ثيابه قد مزقت من الخلف وكان بريء مثل الماء الطاهر وهذه الحادثة شوهت سمعت امرأة سيده فدبرت مكيدة لصديقاتها فأعدت مجلس لهم ووضعت لهم الطعام وسكاكين وأظهرت سيدنا يوسف عليهم فقطعت النساء أصابعهم، فدعاء به، فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} فسجن .
أعطاه الله علم تعبير الرؤى، وكشف بعض المغيبات، فاستخدم ذلك في دعوة السجناء معه إلى توحيد الله، وإلى دينه الحق فكان معه في السجن فتيان: رئيسُ سُقاةِ الملك، ورئيس الخبازين، فرأى كل منهما في منامه رؤيا وعرضها على يوسف، أما رئيس سقاة الملك: فقد رأى أنه يعصر خمراً، فقال يوسف: ستخرج من السجن وتعود إلى عملك فتسقي الملك خمراً وأما رئيس الخبازين: فقد رأى أنه يحمل فوق رأسه طبقاً من الخبز، والطير تأكل من ذلك الخبر، فأخبره يوسف: أنه سيصلب وتأكل الطير من رأسه وأوصى يوسف رئيس السقاة أن يذكره عند الملك وقد تحقق ما عبر به يوسف لكل من الرجلين، إلا أن ساقي الملك نسي وصية يوسف ،لبث يوسف في السجن بضع سنين ولكنه لم ييأس من رحمة ربي ولم يكف عن الدعاء له حتى كان في يوم من الأيام رأى الملك رؤيا البقرات السمان والبقرات العجاف، والسنابل الخضر والأخر اليابسات، فعرض رأياه على السحرة والكهنة فلم يجد عندهم جواباً، عند ذلك تذكر ساقي الملك ما أوصاه به يوسف في السجن فأخبر الملك بأمره، فأرسله إلى يوسف يستفتيه في الرؤيا، فكان جواب يوسف بأن البلاد سيأتيها سبع سنوات مخصبات ثم يأتي بعدها سبع سنوات قحط وجدب أُعجب الملك بما عبر به يوسف، فدعاه للخروج من السجن، ولكن يوسف أراد أن يعاد التحقيق في تهمته قبل خروجه، حتى إذا خرج خرج ببراءة تامة، فأعاد الملك التحقيق، فاعترفت المرأة بأنها هي التي راودته عن نفسه.
عند ذلك خرج يوسف من السجن، وقربه الملك واستخلصه لنفسه، وجعله على خزائن الأرض، وجعله بمثابة الملك مسلّطاً على كلّ مصر، باستثناء الكرسيّ الأول الذي هو للملك،نظم يوسف أمر البلاد، وأدار دفة المنصب الذي وُكل إليه إدارة رائعة، وادَّخر في سنوات الخصب الحب في سنابله، لمواجهة الشدة في سنوات القحط، وجاءت سنوات القحط التي عمت مصر وبلاد الشام، فقام بتوزيع القوت ضمن تنظيم حكيم عادل علمت أسرته في أرض الكنعانيين بأمر في مصر، فوفد إخوته إلاّ شقيقه بنيامين إلى مصر طالبين الميرة، لأن أباه -سيدنا يعقوب- صار حريصاً عليه بعد أن فقد ولده يوسف، فلما رآهم يوسف عليه السلام عرفهم، وأخذ يحقق معهم عن أسرتهم وعن أبيهم، واستجرَّ منهم الحديث فأخبروه عن بنيامين، فأعطاهم ميرتهم ورد لهم فضتهم في أوعيتهم، وكلفهم أن يأتوا بأخيهم بنيامين في المرة الأخرى، وإلا فليس لهم عنده ميرة، فوعدوه بذلك .
ذكروا لأبيهم ما جرى لهم في مصر، والشرط الذي شرطه عليهم العزيز، وبعد إلحاح شديد ومواثيق أعطوها من الله على أنفسهم، أذن لهم يعقوب عليه السلام بأن يأخذوا معهم أخاهم بنيامين ولما وفدوا على يوسف عليه السلام دبَّر لهم أمراً يستبقي فيه أخاه بنيامين عنده، فكلف غلمانه أن يدسوا الإِناء الفضيّ الذي يشرب به في رحل أخيه بنيامين ولما حملوا ميرتهم عائدين إلى بلادهم أرسل الجنود للبحث عن سقاية الملك، فوجدوها في رحل بنيامين فأخذوه، وكان أمراً شديد الوقع على قلوبهم، وعادوا إلى يوسف يرجونه ويتوسلون إليه أن يخلي سبيل أخيهم، وعرضوا عليه أن يأخذ واحدا منهم مكانه، إلا أنه رفض. فرجعوا إلى أبيهم إلا كبيرهم روبين، وأخبروه الخبر فظن بهم سوءاً، وحزن حزناً ومن شدة حزنه ابيضت عينه وفقد البصر ثم أمرهم بالعودة إلى مصر والتحسس عن يوسف وأخيه، فعادوا إلى مصر وألحّوا بالرجاء أن يمنَّ العزيز عليهم بالإِفراج عن أخيهم، وخلال محادثتهم معه بدرت منها بادرة أسرها يوسف في نفسه، إذ قالوا: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} يشيرون إلى الحادثة التي اصطنعتها عمته حينما كان صغيراً لتستبقيه عندها وبأسلوب بارع عرّفهم يوسف بنفسه، فقالوا: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ؟!} قال: {أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 90] قالوا: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 91] والتمسوا منه العفو والصفح عما كان منهم، فقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92]. وطلب منهم أن يعطوا ولدهم قميصه فيرد بصره له وما فعلوا ذلك حتى فرح ولدهم بشدة وقال انه فيها يرح يوسف فقصوا عليه ما حدث معهم وما أمرهم به أن يأتوا بأهلهم أجمعين، وبذلك انتقل بنو إسرائيل إلى مصر، وأقاموا فيها وتوالدوا حتى زمن خروجهم مع موسى عليه السلام ولما اجتمع يوسف بأبيه - بعد الفراق - كان عمر يعقوب (130) سنة، فيكون عمر يوسف يومئذ (39) سنة، ثم توفي يعقوب بعدها بـ (17)سنة وعاش يوسف عليه السلام من السنين (110)، ومات في مصر وهو في الحكم ودفن فيها، ثم نقل رفاته إلى الشام أيام موسى عليهما السلام، ودفن بنابلس على الأرجح وكانت وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربع وستين سنة، وبعد مولد إبراهيم بـ (361) سنة وقد فصَّل القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام في سورة كاملة مسماة باسمه وقد أبرزت من حياته مثالاً فريداً من روائع القصص الإسلامية التي تبين أن حياة الأنبياء لم تكون أبدا سهل أو مريحة حتى نقتدي بها في حياتنا التي لا تعد شيء يذكر أمام العظماء ويبين لنا أن في هذه القصة العظيمة حكمة الله أن ما بعد الضيق ألا الفرج بأذان الواحد الأحد .