يا معشر قريش تعلمون أني من أرماكم (أحسنكم رمياً بالسهام)
ووالله لا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم معي
ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء
فأن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه
قالوا:
فدلنا على مالك ونخلي عنك
فتعاهدوا على ذلك فدلهم عليه
كان ذلك ما قاله صهيب بن سنان المعروف بصهيب الرومي للملأ من قريش
الذين لحقوا به خارجاً من مكة للحاق برسول الله "صلى الله عليه وسلم" في المدينة
مهاجراً إليه
ولقد صدقهم القول في إخبارهم بمكان ماله
وصدقوه فما كان لصهيب الذي اسلم مبكراً
ورسول الله "صلى الله عليه وسلم" ما زال في دار الأرقم يدعو إلى الله سراً
أن يكذب
فإن المؤمن لا يكذب
وما كان له أن يضن بماله في سبيل النجاة بدينه والهجرة إلى الله ورسوله
وهو الذي تحمل من العذاب فوق ما يطيقه البشر
إذ كان من السبعة الذين أظهروا الإسلام بمكة
وألبسوا أدراع الحديد ثم أصهروا في الشمس
ولقد اسلم هو وسلمان الفارسي في يوم واحد بعد بضعة وثلاثون رجلاً فقط..
وهو سابق الروم
كما قال عنه النبي "صلى الله عليه وسلم"
السباق اربعة أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبش
لحق صهيب بن سنان برسول الله "صلى الله عليه وسلم"
وهو في قباء قبل أن يدخل المدينة
وقد نزل جبريل على النبي "صلى الله عليه وسلم"
بقول الله عز وجل في صهيب وما حدث منه:
" ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد" البقرة 207
ولما دخل صهيب على النبي "صلى الله عليه وسلم" هش وبش في وجهه
وقال:
ربح البيع أبا يحيى ربح البيع أبا يحيى
وأصبح صهيب من أهل الصُفة الذين تفرغوا لتعلم القرآن والعبادة
والإلتصاق برسول الله "صلى الله عليه وسلم" في كل مكان وزمان
فشهد بدر وأحد والخندق وجميع المشاهد والغزوات
وما شهد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" مشهدا إلا وكان حاضراً معه
ولا بايع بيعة إلا وكان حاضرها وما سار بسرية إلا وكان معه
ولا غزا غزوة إلا وكان عن يمينه أو عن شماله فيها
وما خاف المسلمون من أمامهم قط إلا وكان أمامهم
ولا خافوا من خلفهم قط إلا وكان خلفهم
وما جعل الرسول "صلى الله عليه وسلم"
بينه وبين العدو حتى لحق "صلى الله عليه وسلم" بالرفيق الأعلى.
وظل صهيب في خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما
زاهداً عابداً مجاهداً في سبيل الله عز وجل
حاملا للقرآن في قلبه عاملاً بأحكامه يروي عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
قوله:
"ما آمن بالقرآن من إستحل محارمه"
فكان حريصاً كل الحرص على البعد عن كل ما حرم في القرآن جواداً سخياً بماله
ولقد كان عمربن الخطاب رضي الله عنه محباً لصهيب مقرباً له
ودخل عليه يوماً
فقال له:
ما فيك شيءٌ أعيبه يا صهيب إلا ثلاث خصال
لولاهن ما قدمت عليك أحداً:
أراك تنتسب عربياً ولسانك أعجمي
وتكتني بأبي يحيى وهو إسم نبي
وتبذر مالك..
فقال صهيب:
اما تبذيري مالي فما أنفقه إلا في حقه
وأما إكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" كناني بأبي يحيى
فلن أتركها
وأما إنتمائي إلى العرب فإن الروم سبتني صغيراً
فأخذت لسانهم وأنا رجل من النمر بن قاسط (قبيلة من العرب)
ولو إنفلقت عني روثة لإنتميت إليها ..(أي لا أخجل من أن أنتسب إلى قومي مهما كانوا..)
ولقد كان من تقدير عمر بن الخطاب لصهيب وإجلاله له
أن أوصى - حين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي-
أن يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام
حتى ينتهي أهل الشورى الستة من إختيار الخليفة
رغم اللكنة الأعجمية التي كانت في لسان صهيب
بل وأوصى أن يؤم الناس في صلاة الجنازة عليه صهيب بن سنان
ذلك السابق في الإسلام وأحد السباق الأربعة
الذي روى عن الرسول "صلى الله عليه وسلم"
قوله:
"إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله عز وجل موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويخرجنا من النار فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فما من شيء أعطوه أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة"
يعني المذكورة في قوله تعالى:
"للذين أحسنوا الحسنى وزيادة"
سورة يونس 26
ويقترب الأجل ويلحق صهيب بن سنان بالرفيق الأعلى سنة ثماني وثمانين من الهجرة
ويدفن بالبقيع إلى جوار أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
الذين سبقت لهم من الله الحسنى وكان عمره ثلاثاً وسبعين سنة.......