سيد الشهداء
حمزة بن عبد المطلب
كان حمزة بن عبد المطلب سيداً من سادات قريش وزينة شبابها..
وإشتهر بشجاعته وفروسيته وحبه للصيد والقنص
وحين بُعث النبي "صلى الله عليه وسلم" لم يكن من بين المؤيدين أو المعارضين
وظل يراقب ذلك الحدث الكبير دون تدخل
فالمبعوث أخ له في الرضاع فقد أرضعتهما ثويبة جارية أبي لهب
وإن كان أسن من النبي "صلى الله عليه وسلم" بسنتين
وهو في نفس الوقت عمه، وأمه بنت عم أمه
فهو متصل النسب به عن طريق الأب وعن طريق الأم
تلك كانت الصلة ذات الثلاث شعب التي جعلته من أقرب الناس إلى قلبه
والتي جعلته يثور ثورة عارمة
حين علم بعد عودته من رحلة صيد أن أبا جهل قد أغلظ القول له "صلى الله عليه وسلم"
وأسمعه من السباب ما يكره دون أن يرد عليه
فانطلق إلى الكعبة حيث يجلس أبو جهل في ملأ من قريش
وضربه بقوسه ضربة شديدة على رأسه
وقال له:
كيف تسب محمداً وأنا على دينه وأقول ما يقول؟!
ويذهل الجميع عن الضربة التي شجت وجه زعيمهم
بهذه المقالة التي قالها حمزة
وقاموا إليه فزعين:
هل صبأت يا حمزة؟!!
فقال
نعم، أنا أقول ما يقول محمد وأشهد أنه على الحق..
فإذا كان أبو جهل يجرؤ أن يعيد علي ما قاله لمحمد فليفعل، ولينظر ما أصنع فيه..
ويخيم الصمت على الجميع
فذاك آخر ما كانوا يتوقعون أن ينضم حمزة بن عبد المطلب
فارس قريش وزينة شجعانها إلى ابن أخيه...
وينصرف حمزة وتذهب عنه سورة الغضب ويعود إليه هدوءه
ويجد أنه قد تسرع في هذا الإعلان
الذي لم يكن صادراً إلا عن حمية وغضب وليس عن إيمان واقتناع
يعود حمزة إلى البيت ويطوف بالكعبة داعياً الله تبارك وتعالى أن يهديه إلى الحق
وما أن إنتهى من طوافه
حتى شرح الله صدره للإسلام
فذهب إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
وأخبره بخبره فدعا الله أن يثبته على الإيمان واليقين..
وبإسلام حمزة خففت قريش من أذاها لرسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقد أصبح في منعة..
وتأتي الهجرة ويهاجر حمزة مع من هاجر
وينال شرف أن يكون أول من سار بسرية في الإسلام
وأول من حمل لواء لرسول الله "صلى الله عليه وسلم"
ويشاء الله تبارك وتعالى أن يلتقي المسلمون والمشركون في غزوة بدر على غير موعد
حيث خرج صناديد قريش بخيلهم وخيلائهم لإنقاذ قافلتهم
ويبرز منهم ثلاثة من أعتى مقاتليهم:
شيبة بن ربيعة
وعتبة بن ربيعة
والوليد بن عتبة...
وينادي الثلاثة:
هل من مبارز؟
وحين يخرج لهم بعض شباب الأنصار
يقولون لهم:
أكفاء ولكنا نريد أبناء عمومتنا..
وهنا يخرج من بين الصفوف حمزة بن عبد المطلب
وقد زين صدره بريشة نعام حاملاً سيفاً في كلتا يديه
ويخرج معه علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
وتحدث المبارزة ويقتل حمزة شيبة بن ربيعة
ويقتل علي الوليد بن عتبة
ويتبادل عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة الضربات
فيذهب إليهما حمزة ويقتل عتبة ابن ربيعة
وتبدأ المعركة ويصول حمزة ويجول بسيفيه
ويقتل طعيمة بن عدي أخ المطعم بن عدي
وينتصر المسلمون على قلة عددهم وعدتهم بفضل الله
بعد أن قتلوا من المشركين سبعين واسروا سبعين
وكان من بين القتلى عقبة بن أبي معيط
وأمية بن خلف
وأبو جهل
وأبو لهب
كبار صناديد قريش وأشدهم تعذيباً للمسلمين بمكة
وتعود فلول قريش بالخزى والعار إلى مكة
لا هم لهم إلا الثأر والإنتقام
خاصة من ذلك الذي فعل بهم الأفاعيل
المقاتل بسيفين
الملقب بأسد الله وأسد رسوله
حمزة بن عبد المطلب...
ويستدعي جبير بن مطعم عبده وحشي الحبشي
ويقول له:
أنت حر إن قتلت حمزة بن عبد المطلب فقد قتل عمي طعيمة بن عدي
وتستدعيه هند بنت عتبة التي قتل أبوها وأخوها وعمها في المبارزة
وتقول له:
جميع ما أتحلى به من ذهب لك إن قتلت حمزة..
وتستعد قريش لغزوة أحد ويخرج وحشي معهم
ولا هم له إلا التربص بحمزة وتدور الدائرة على المشركين
ويصول حمزة ويجول قاتلاً بسيفيه ويقتل من المشركين واحداً وثلاثين نفساً..
ويكاد النصر أن يتحقق لولا معصية بعض الرماة لرسول الله "صلى الله عليه وسلم"
حيث تركوا مواقعهم فدارت الدائرة على المسلمين
وأثناء ذلك يتربص وحشي بحمزة ولا يشترك في القتال
حتى رآه قد عثر عثرة فوقع على ظهره فانكشف الدرع عن بطنه فرماه برمح فقتله..
وإنهزم المسلمون وفروا لا يلوون على شيء
وجاءت نساء المشركين وكل إمرأة لها ثأر
يجدعن أنوف القتلى من المسلمين وآذانهم ويبقرون بطونهم
وعثرت هند بنت عتبة على حمزة بين القتلى فبقرت بطنه وأخرجت كبده
ولاكتها بأسنانها فلم تستسغها فلفظتها
وفي ذلك يقول النبي "صلى الله عليه وسلم":
لو دخل بطنها لم تمسها النار
ويعود المشركون فرحين بنصرهم وإنتقامهم
بعد أن هتف أبو سفيان:
يوم بيوم بدر والحرب سجال وستجدون بالقوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني.
ويذهب النبي "صلى الله عليه وسلم" يتفقد القتلى
وتقع عيناه على عمه حمزة فبكى..
فلما رأى ما فعلته به هند شهق
ثم قال:
رحمك الله أي عم فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات
ثم قال:
لولا أن تجد "تحزن" صفية "أخت حمزة" لتركته حتى يحشر من بطون الطير والسباع
ووقف رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يصلي على حمزة
فكبر عليه سبع تكبيرات
ثم لم يؤتَ بقتيل إلا صلى عليه معه حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة
ودفن حمزة مع ابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد
وقال "صلى الله عليه وسلم":
أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة
ولما عاد النبي "صلى الله عليه وسلم" إلى المدينة سمع النوح والبكاء على قتلى الأنصار..
فقال:
لكن حمزة لا بواكي له
فسمع الأنصار فأمروا نساؤهم أن يندبن حمزة قبل قتلاهم
ففعلن ذلك
وينشد كعب بن مالك شعراً يرثي به حمزة..
فيخرج النبي "صلى الله عليه وسلم" إليهن
ويقول:
ما لهذا قصدت ارجعن يرحمكن الله لا بكاء بعد اليوم
وتمضي أربعون سنة
وفي خلافة معاوية بن أبي سفيان يحدث سيل يجرف القبور في أحد
ويستصرخ الناس على قتلاهم
فيذهبون لتسوية القبور
وإذا بالشهداء وكأنهم نيام إذا حملوهم وجدوهم رطاباً يتثنون
وأصابت المجرفة رجل حمزة بن عبد المطلب فإنفجر منها الدم
وصدق الله العظيم حيث يقول:
"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون" آل عمران 169
أما وحشي ذلك الحبشي فقد عاد إلى مكة وأُعتق وأصبح حراً..
ولما فتح رسول الله "صلى الله عليه وسلم" مكة
فر وحشي إلى الطائف، ولجأ إليها..
وحين فتحت الطائف وأسلم أهلها ضاقت به الأرض
وفكر أن يهرب إلى الشام أو اليمن
فقال له رجل:
ويحك يا وحشي
والله إن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لا يقتل رجلاً أسلم
فذهب إليه ينطق بالشهادة بين يديه
فقال له الرسول "صلى الله عليه وسلم":
أوحشيٌ أنت؟!
قال:
نعم يا رسول الله
قال:
حدثني كيف قتلت حمزة؟
فحدثه...
فقال "صلى الله عليه وسلم":
ويحك غيب عني وجهك
فتنكب وحشي طريق رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حتى لا تقع عيناه عليه
حتى لحق "صلى الله عليه وسلم" بالرفيق الأعلى...
وحين خرج المسلمون لقتال مسيلمة الكذاب في خلافة أبي بكر الصديق
خرج وحشي معهم وأخذ حربته التي قتل بها حمزة معه
وتربص بمسيلمة الكذاب حتى قتله بها..
وأخذ يقول:
لئن كنت قتلت خير الناس بحربتي
فإني أرجو أن يغفر الله لي أن قتلت بها شر الناس
ومن عظمة الإسلام أنه يجب ما قبله..
فمهما إرتكب العبد من شرور قبل إسلامه
فإنه بالإسلام يبدأ صفحة جديدة وكأنه قد ولد من جديد
أما إذا كان قد عمل من الصالحات قبل إسلامه
فإنها تكتب له بعد إسلامه
حيث سأل رجل النبي "صلى الله عليه وسلم" عن أعمال صالحة عملها قبل إسلامه
بقوله:
أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية هل لي فيها من شيء؟!
فأجاب قائلاً:
أسلمت على ما أسلفت من خير